الانتظار عبارة عن: «کیفیة نفسانیة ینبعث منها التهیؤ لما تنتظره؛ وضده الیأس؛ فکلما کان الانتظار أشد کان التهیؤ آکد؛ ألا تری أنّه اذا کان لک مسافر تتوقع قدومه ازداد تهیؤک لقدومه کلما قرب حینه، بل ربما تبدل رقادک
بالسهاد لشدة الانتظار. وکما تتفاوت مراتب الانتظار من هذه الجهة، کذلک تتفاوت مراتبه من حیث حبک لمن تنتظره، فکلما اشتد الحب ازداد التهیؤ للحبیب وأوجع فراقه بحیث یغفل المنتظر عن جمیع ما یتعلق بحفظ نفسه ولا یشعر بما یصیبه من الالآم الموجعة والشدائد المفظعة.
فالمؤمن المنتظر مولاه کلما اشتد انتظاره ازداد جهده فی التهیؤ لذلک بالورع والاجتهاد وتهذیب نفسه وتجنّب الأخلاق الرذیلة والتحلّی بالأخلاق الحمیدة حتی یفوز بزیارة مولاه ومشاهدة جماله فی زمان غیبته کما اتفق ذلک لجمع کثیر من الصالحین، ولذلک أمر الأئمة الطاهرون(علیهم السلام) فیما سمعت من الروایات وغیرها بتهذیب الصفات وملازمة الطاعات. بل روایة أبی بصیر مشعرة أو دالة علی توقف الفوز بذلک الأجر حیث قال]الإمام الصادق[(علیه السلام): «مَن سره أن یکون من أصحاب القائم فلینتظر ولیعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده کان له من الأجر مثل مَن أدرکه… ولا ریب أنه کلما اشتد الانتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند الله عز وجل…»(1)
والانتظار یعنی: «ترقب ظهور وقیام الدولة القاهرة والسلطنة الظاهرة لمهدی آل محمد(علیهم السلام). وإمتلائها قسطاً وعدلاً وانتصار الدین القویم علی جمیع الأدیان کما أخبر به الله تعالی نبیه الأکرم ووعده بذلک، بل بشّر به جمیع الأنبیاء والأمم؛ أنه یأتی مثل هذا الیوم الذی لا یعبد فیه غیر الله تعالی ولا یبقی من الدین شیء مخفی وراء ستر وحجاب مخافة أحد…»(2)
اذن الانتظار یتضمن حالة قلبیة توجدها الأصول العقائدیة الثابتة بشأن حتمیة ظهور المهدی الموعود وتحقق أهداف الأنبیاء ورسالاتهم وآمال
البشریة وطموحاتها علی یدیه(علیه السلام)؛ وهذه الحالة القلبیة تؤدی الی انبعاث حرکة عملیة تتمحور حول التهیؤ والاستعداد للظهور المنتظر، ولذلک أکدت الأحادیث الشریفة علی لزوم ترسیخ المعرفة الصحیحة المستندة للادلة العقائدیة بالإمام المهدی وغیبته وحتمیة ظهوره کما أشرنا فی الواجب الأول.
وعلیه یتضح أن الانتظار لا یکون صادقاً إلاّ اذا توفرت فیه: «عناصر ثلاثة مقترنة: عقائدیة ونفسیة وسلوکیة ولولاها لا یبقی للانتظار أی معنی إیمانی صحیح سوی التعسف المبنی علی المنطق القائل: (فاذهب أنت وربّک فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون…)(3) المنتج لتمنی الخیر للبشریة من دون أی عمل إیجابی فی سبیل ذلک»(4)
ولذلک نلاحظ فی الأحادیث الشریفة المتحدثة عن قضیة الانتظار تأکیدها علی معرفة الإمام المهدی ودوره وترسیخ الارتباط المستمر به(علیه السلام) فی غیبته کمظهر للانتظار والالتزام العملی بموالاته والتمسک بالشریعة الکاملة کما اشرنا لذلک فی التکالیف السابقة وإعداد المؤمن نفسه کنصیر للإمام المهدی ـ عجل الله فرجه ـ یتحلی بجمیع الصفات الجهادیة والعقائدیة والأخلاقیة اللازمة للمساهمة فی إنجاز مهمته الإصلاحیة الکبری، وإلاّ لن یکون انتظاراً حقیقیاً.
«إن انتظار الفرج نوعان: انتظار بنّاء باعث للتحرک والالتزام الرسالی، فهو عبادة وأفضل العبادات، وانتظار مخرّب یشل الإنسان عن العمل البنّاء فهو یعتبر نمطاً من أنماط «الإباحیة»… إن نوعی الانتظار هذین هما نتیجة لنوعین من الفهم لماهیة الظهور التأریخی العظیم للمهدی الموعود (علیه السلام)… والبعض
یفسّر القضیة المهدویة وثورتها الموعودة بأنها ذات صبغة انفجاریة لا غیر؛ وأنها نتیجة لانتشار الظلم والتمییز والقمع وغصب الحقوق والفساد… فعندها یقع الانفجار وتظهر ید الغیب لإنقاذ الحق… وعلیه فإن أفضل عون یمکن أن یقدمه الإنسان لتعجیل الظهور المهدوی وأفضل أشکال الانتظار هو [السماح بـ] ترویج الفساد…
لکن المستفاد من الآیات أن ظهور المهدی الموعود حلقة من حلقات مجاهدة أنصار الحق لأشیاع الباطل التی تکون عاقبتها الانتصار الکامل لأنصار الحق ومشارکة الإنسان فی الحصول علی هذه السعادة مرهون بأن یدخل عملیاً فی صفوف أنصار الحق…
ویُستفاد من الروایات الإسلامیة أن ظهور المهدی (علیه السلام) یقترن ببلوغ جبهتی السعداء والأشقیاء ذروة عملهم کل حسب أهدافه لا أن ینعدم السعداء ویبلغ الأشقیاء ذروة إجرامهم وظلمهم، وتتحدث الأحادیث الشریفة عن صفوة من أنصار الحق تلتحق بالإمام فور ظهوره… فحتی لو فرضنا أنهم قلة من الناحیة الکمیة إلاّ أنهم من الناحیة الکیفیة خیرة أهل الإیمان وبمستوی انصار سید الشهداء(علیه السلام)؛ کما تتحدث عن التمهید لثورة الإمام المهدی بسلسلة من الانتفاضات التی یقوم بها أنصار الحق… کما تتحدث بعضها عن حکومة یقیمها أنصار الحق وتستمر حتی تفجر ثورة الإمام المهدی»(5)
إذن یتضح مما تقدم أن للانتظار الشرعی المطلوب جملة من الشروط لا یتحقق بدونها العمل به کأهم تکالیف المؤمنین فی عصر الغیبة وقد تحدثت عنها الأحادیث الشریفة وجمعها الإمام السجاد(علیه السلام) حیث قال ضمن حدیث
له عن القضیة المهدویة: «إن أهل زمان غیبته القائلین بإمامته والمنتظرین لظهوره أفضل من أهل کل زمان، لأن الله تبارک وتعالی أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغیبة عندهم بمنزلة العیان وجعلهم فی ذلک الزمان بمنزلة المجاهدین بین یدی رسول الله (صلی الله علیه وآله) بالسیف، أولئک المخلصون حقاً وشیعتنا صدقاً والدعاة الی دین الله عز وجل سراً وجهراً»(6)
1) مکیال المکارم: 2/ 152 ـ 153.
2) النجم الثاقب: 2/ 443 من الترجمة العربیة.
3) المائدة (5): 24.
4) تاریخ الغیبة الکبری: 342.
5) النهضة والثورة المهدویة للشهید المطهری(رحمه الله): 61 ـ 81 من الطبعة الفارسیة (بتلخیص).
6) کمال الدین: 319.