اضافة الی هذه العلامات التی نصت علیها الأحادیث الشریفة؛ فإنّ المستفاد من الأحادیث الشریفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهدیـ عجل الله فرجهـ؛ زوال العلل والعوامل التی أدت الی غیبته وتوفر الأوضاع المناسبة لقیامه ـ سلام الله علیهـ بمهمته الإصلاحیة الکبری(1)، والتی منها:
1 ـ اکتمال عملیة التمحیص والغربلة للمؤمنین وتوفر العدد اللازم من الأنصار الأوفیاء بمختلف مراتبهم التی أشرنا الیها ضمن الحدیث عن علل
الغیبة؛ ای المرتبة العلیا من الأنصار الذین یتحلون بالکفاءات القیادیة اللازمة لمعاونته فی اقامة الحکومة الاسلامیة العالمیة العادلة وإدارة شؤونها وقبل ذلک إدارة حرکة الصراع ضد الکفر والشرک والعبودیات الطاغوتیة ودحرها وإزالتها بالکامل.
ولعل أفراد هذه المرتبة هم الذین ذکرت الأحادیث الشریفة بأنّ عددهم (313) کعدة أهل بدر وذکرت لهم صفات عالیة من الإیمان ومعرفة الله حق معرفته، ومن شدة التعبد لله والإخلاص له فهم «رهبان اللیل»، ومن الشجاعة والکفاءة الجهادیة العالیة فهم «اُسد النهار» الذین لا یخافون فی الله لومة لائم، ومن الکفاءة العلمیة العالیة والإحاطة بعلوم الشریعة فهم «الفقهاء والقضاة»، ومن الکفاءة الإداریة الفائقة فهم «الولاة العدول»(2) وغیر ذلک من الصفات السامیة الأخری التی یُستفاد منها أنهم یمثلون جهاز الإمام القیادی والإداری عند ظهوره قبل إقامة دولته العالمیة العادلة وبعدها.
2 ـ منها توفر القواعد الإسلامیة العریضة المستعدة للتفاعل الإیجابی مع أهداف الثورة المهدویة الکبری وإن تباینت درجاتها فی تقدیم النصرة العملیة(3)
والذی یوجِد هذه الحالة هو اتضاح حقیقة وأحقیة منهج أهل البیت النبوی الذی یمثله المهدی الموعود ـ عجل الله فرجه ـ، واتضاح زیف
الشبهات المثارة علی مدی التأریخ الإسلامی ضد هذا المنهج، واتضاح أنه هو المنهج الذی یمثل الإسلام المحمدی الأصیل.
وقد أشارت الأحادیث الشریفة الی ذلک ضمن حدیثها عن الحرکة الموطئة للثورة المهدویة ودورها فی عرض الصورة النقیة لمذهب أهل البیت وعلومه الإسلامیة النقیة علی الصعید الإسلامی والعالمی، وبالتالی عرض الصورة الأصیلة للإسلام(4)
ودور هذه الحرکة التمهیدیة التی نصّت الأحادیث الشریفة علی انطلاقها قبیل الظهور المهدوی فی عرض الصورة النقیة للإسلام یوجِد حالة التطلع للإسلام کبدیل حضاری لإنقاذ البشریة والإقبال علیه خارج دائرة العالم الإسلامی ـ کما هو المشهود حالیاً فی بوادره علی الأقل ـ الأمر الذی یفتح أبواب التفاعل الإیجابی مع الثورة المهدویة الکبری بین الشعوب غیر الإسلامیة أیضاً خاصةً وأنها جربت المدارس والتیارات الفکریة والسیاسیة الاُخری وعایشت عملیاً فشلها فی تحقیق السعادة المنشودة للبشریة بل وجلبها للبشریّة الکثیر من الأزمات المادیة والمعنویة التی تعتصرها حالیاً، الأمر الذی جعلها تتطلع الی بدیل منقذ خارج المدارس والتیارات التی عرفتها، والی هذه الحالة أشارت الأحادیث الشریفة التی تحدثت عن أنّ الدولة المهدویة هی آخر الدول کما لاحظنا فی الأحادیث الشریفة التی أوردناها فی الفصل الخاص بعلل الغیبة وأسبابها.
3 ـ منها أیضاً توفر وسائل الاتصال المتطورة التی تتیح للجمیع التعرف
علی الحقائق، وبالتالی السماح بوصول الحق الی الجمیع واتضاح بطلان وزیف المدارس الاُخری، وأحقیة الرسالة الإسلامیة التی یحملها المهدی(علیه السلام) وبالتالی تبنّی أشخاص للتیار الإسلامی وأهدافه التی یبشر بها المهدی الموعود بعد أن کانوا ینتمون تأریخیاً الی المدارس الاُخری، أی الانتقال عملیاً الی صفوف أنصاره(علیه السلام)، کما تشیر الی ذلک الأحادیث الشریفة المعللة للغیبة بإخراج «ودائع الله» المؤمنین من أصلاب الکافرین.
1) تُراجع نصوص الأحادیث الشریفة التی أوردناها فی الحدیث عن علل الغیبة الکبری.
2) عقد الدرر: 123 إثبات الهداة: 494، 518، الملاحم والفتن لابن حماد: 95، دلائل الإمامة للطبری الإمامی: 248 ـ 249، حلیة الأولیاء: 6 / 123، مستدرک الحاکم: 4/ 554 ینابیع المودة: 512، کمال الدین: 673، اختصاص الشیخ المفید: 26، والأحادیث فی مدح أصحاب المهدی وأنصاره کثیرة.
3) راجع توضیحات السید الشهید محمد الصدر(رحمه الله) لهذه المراتب من القواعد المؤیدة فی تأریخ الغیبة الکبری: 247 ومابعدها.
4) بحار الأنوار: 60/ 213، عن تاریخ قم للحسن بن محمد القمی (ق 3) ح 22 و 23 وعنه فی منتخب الأثر: 263 و 443.