مخافة القتل کما جری مع غیبات أنبیاء الله موسی وعیسی وغیرهم(علیهم السلام)، والأمر فی غایة الوضوح مع الإمام المهدی(علیه السلام) الذی کانت السلطات العباسیة تسعی سعیاً حثیثاً لقتله کما رأینا سابقاً. وهذا السبب یصدق بشکل کامل علی أصل وقوع الغیبة وفی الغیبة الصغری علی الأقل.
ومعلوم أن المقصود هو حفظ وجود الإمام لکونه حجة الله علی خلقه ولکی لا تخلو الأرض من قائم لله بحجته وهاد بأمره إلیه تبارک وتعالی.
أما ما هو سبب اختصاص الغیبة بالإمام الثانی عشر لحفظ وجوده مع أن أباءه الطاهرین(علیهم السلام) کانوا أیضاً حجج الله علی خلقه وقد تعرّضوا أیضاً للمطاردة والاغتیال فلم یمت أی منهم إلاّ بالسیف أو السم(1)؟
فالجواب واضح، فهو ـ عجل الله فرجه ـ آخر الأئمة المعصومین(علیهم السلام) وهو المکلف بإقامة الدولة الإسلامیة العالمیة وعلی یدیه یحقق الله عز وجل وعده بإظهار الإسلام علی الدین کله وتوریث الأرض للصالحین، فلابد من حفظ وجوده حتی ینجز هذه المهمة. یُضاف الی ذلک أن السلطات العباسیة کانت عازمة علی قتله وهو فی المهد لعلمها بطبیعة مهمته الإصلاحیة العامة.
أما فی الغیبة الکبری فهذه العلة تبقی مؤثرة مالم تتوفر جمیع العوامل اللازمة لإنجاز مهمته مثل توفر الأنصار وغیر ذلک، لأنه سیبقی غرضاً لسهام مساعی حکام الجور لإبادته قبل أن ینجز هذه المهمة الإصلاحیة الکبری کما جری علی آبائِهِ(علیهم السلام). وهذا الأمر واضح للغایة ویفهم من توضیحات الإمام الباقر (علیه السلام) لعبد الله بن عطاء فی الحدیث الثانی من هذه الطائفة.
1) اعتقادات الصدوق: 99 وعنه فی اعلام الوری للطبرسی: 297/2 ب5 المسألة الاُولی من المسائل السبع فی الغیبة، الفصول المهمة: 272.