قَدِمَ- قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- الْعِرَاقَ وَ اجْتَمَعَ مَعَ أَبِی الْقَاسِمِ الْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَ سَأَلَهُ مَسَائِلَ ثُمَّ کَاتَبَهُ بَعْدَ ذَلِکَ عَلَى یَدِ عَلِیِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْأَسْوَدِ(1) یَسْأَلُهُ أَنْ یُوصِلَ لَهُ رُقْعَةً إِلَى الصَّاحِبِ عَلَیْهِ السَّلَامُ وَ یَسْأَلَهُ فِیهَا الْوَلَدَ، فَکَتَبَ- عَلَیْهِ السَّلَامُ إِلَیْهِ: قَدْ دَعَوْنَا(2) اللَّهَ لَکَ بِذَلِکَ، وَ سَتُرْزَقُ وَلَدَیْنِ ذَکَرَیْنِ خَیِّرَیْنِ، فَوُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، وَ کَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ یَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ یَقُولُ: أَنَا وُلِدْتُ بِدَعْوَةِ صَاحِبِ الْأَمْرِ- عَلَیْهِ السَّلَامُ- وَ یَفْتَخِرُ بِذَلِکَ(3)
وَ یُضِیفُ الصَّدُوقُ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ أَسْوَدَ بِقَوْلِهِ: وَ سَأَلْتُهُ فِی أَمْرِ
نَفْسِی أَنْ یَدْعُوَ اللَّهَ لِی أَنْ یَرْزُقَنِی وَلَداً ذَکَراً، فَلَمْ یُجِبْنِی إِلَیْهِ، وَ قَالَ: لَیْسَ إِلَى هَذَا سَبِیلٌ فَوُلِدَ لِعَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ وَ بَعْدَهُ أَوْلَادٌ وَ لَمْ یُولَدْ لِی شَیْءٌ.
قال مصنّف هذا الکتاب: کان ابو جعفر محمد بن علی الأسود کثیرا ما یقول لی- إذا رآنی أختلف الى مجلس شیخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید (رض) و أرغب فی کتب العلم و حفظه-: لیس بعجب أن تکون لک هذه الرغبة فی العلم و أنت ولدت بدعاء الامام (ع)(4)
أما الشَّیْخُ الطُّوسِیُّ، فَیَرْوِی عَنْ مَشَایِخِهِ عَنِ ابْنِ نُوحٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَشَایِخِ أَهْلِ قُمَّ أَنَّ عَلِیَّ بْنَ الْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَیْهِ کَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَیْهِ، فَلَمْ یُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً، فَکَتَبَ إِلَى الشَّیْخِ أَبِی الْقَاسِمِ الْحُسَیْنِ بْنِ رُوحٍ (رض) أَنْ یَسْأَلَ الْحَضْرَةَ أَنْ یَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ یَرْزُقَهُ أَوْلَاداً فُقَهَاءَ، فَجَاءَ الْجَوَابُ: (إِنَّکَ لَا تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ وَ سَتَمْلِکُ جَارِیَةً دَیْلَمِیَّةً وَ تُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَیْنِ فَقِیهَیْنِ).
و قَالَ ابن نوح: و قال لی أبو عبد اللّه بن سورة القمی حفظه اللّه: و لأبی الحسن بن بابویه ثلاثة أولاد: محمد و الحسین فقیهان ماهران فی الحفظ و یحفظان ما لا یحفظ غیرهما من أهل قم، و لهما أخ اسمه الحسن و هو الأوسط مشتغل بالعبادة و الزهد لا یختلط بالناس و لا فقه له.
قال ابن سورة: کلّما روى أبو جعفر و أبو عبد اللّه ابنا علی بن الحسین شیئا یتعجب الناس من حفظهما، و یقولون لهما: هذا الشأن خصوصیة لکما بدعوة الإمام (عج) لکما، و هذا أمر مستفیض فی أهل قم(5)
و لهذا کان الصدوق الثانی رحمه اللّه یقول: (أنا ولدت بدعوة صاحب الامر (عج)، و یفتخر بذلک(6) کما مر.
و حقّ لهذا الطود العظیم الشامخ أن یفتخر، فهو البحر الطامی، و مفخرة کلّ شیعیّ إمامی، و هو الموج المتلاطم الزخار، و الصدوق فیما یرویه عن الأئمة الأطهار (ع)، شیخ المحدّثین القمیین، و رئیس المستحفظین المهدیین، و حافظ علوم الملّة و الدین، الذی ولد- کما مرّ- بدعاء الإمام صاحب الزمان (عج) فعمّت برکته
الأنام، و نطقت بفضله الرکبان، و لا زالت أنوار مداده تشع فی قلوب المؤمنین، و تنیر الطریق للسالکین، سیما کتابه الجلیل (من لا یحضره الفقیه) أحد الکتب الأربعة عند الطائفة الحقّة، و المعوّل علیها عند کل عالم و فقیه.
1) ذَکَرَ النَّجَاشِیُّ أَنَّ الْوَاسِطَةَ لِإِیصَالِ الْکِتَابِ لِلْحُسَیْنِ بْنِ رُوحٍ (رض) عَلِیُّ بْنُ الْأَسْوَدِ، بَیْنَمَا فِی کَمَالِ الدِّینِ ج 2 ص 49 ح 26، وَ غَیْبَةِ الطُّوسِیِّ 194 کَانَ الْوَاسِطَةَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ الْأَسْوَدُ، فَلَاحِظْ.
2) قَدْ تَقَدَّمَ فِی تَوْقِیعِ الْعَسْکَرِیِّ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «وَ جَعَلَ مِنْ صُلْبِکَ أَوْلَاداً صَالِحِینَ».
3) النَّجَاشِیَّ ص 198، الْخُلَاصَةَ لِلْعَلَّامَةِ ص 94، الْقُطْبَ فِی الْخَرَائِجِ ص 189، وَ الشَّیْخَ فِی الْغَیْبَةِ ص 195 کُلٌّ بِتَفَاوُتٍ بَسِیطٍ.
4) إکمال الدین ج 2/ 502. و منتخب الأثر 384 ح 6 و البحار 51/ 335 ح 61.
5) الغیبة للشیخ الطوسی ص 187 السطر الاخیر.
6) النجاشی ص 199.