بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ
الحمد للّه الذی أوجب الحمد على عباده بنعمه عندهم آنفا و استوجب منهم- بما وفّقهم لذلک الحمد على تلک النعم- شکرا مستأنفا.
و سبحان من لیس معه لأحد فی الآنف من النعمة، و المستأنف من الشکر صنع فی إحداث موهبة، و لا فی إلهام شکر، بل برأفته أولى النعم، و بتحنّنه ألهم الشکر، و بتفضّله بسط فی ذلک کلّه التوفیق، و بحکمته أرشد إلى الهدى، و بعدل قضائه لم یجعل فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ، و لم یدع إلیه بسبیل غامض (و لو بان الدالّ)(1) علیه عن الکلام المتداول على الألسنة، بینونته- جلّ ثناؤه- عن عباده، لحارت الأسماع عن إصغائه، و تاهت الأفئدة عن بلوغه، و غربت الأفهام عن حمله غروبها عن کیفیّة اللّه- جلّت أسماؤه-.
و الحمد للّه الذی کان من لطیف صنعه و انفاذ حکمته أن لم یحمل علینا فی ذلک إصرا، و جعل سفیره- فیما دعا إلیه- خیرته من خلقه محمّدا صلّى اللّه علیه و آله، و بیّن منه- فی أیام الدعوة، و قبل حدوث النبوّة و إظهار الرسالة- عناصر طیبة و أعراقا طاهرة و شیما مرضیّة(2)
و جعله المقتدى به فی مکارم الأخلاق، و المشار إلیه بمجانبة الأعراض التی تمنع التقدیم و التأخیر، و تحجزت بالتقدیس و التفضیل، حتى دعانا إلى اللّه جلّ جلاله بکلام مفهوم، و کتاب عزیز لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ(3)
فجعل الداعی منزّها عن دنیّة تحجزه عن قول معروف، و مصونا بالعصمة عن أن ینهى عن خلق و یأتی بمثله، و الرسالة مباینة عن أن یأتیها الباطل من بین یدیها أو من خلفها.
و منّ على خلقه أن جعل الداعی معهودا بالمجاورة، و الدعوة مشهورة بالمجاورة، و أوکد فی ذلک على عباده الحجة أن دعا إلى حق لا یجمع مختلفین و لا یضمّ إلّا متفقین.
و جعل عباده- على اختلاف هممهم و اتّساع خلائقهم- بمعزل عن السبیل التی لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ، لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ(4) و مباینة من الحالة التی یملکون فیها لأنفسهم نفعا أو ضرّا، و أوکل عجزهم(5)، و ضعف آرائهم إلى أئمة أصفیاء، و حفظة أتقیاء، عن اللّه یبلّغون، و الیه یدعون، و بما یأمرون به من الخیرات یعملون، و عمّا ینهون عنه ینتهون وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى، وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ(6)
فالحمد للّه على جمیع هذه النعم الحسنة، حمدا یؤدّى به الحق، و یستجلب به المزید.
و صلّى اللّه على محمّد و آله صلاة ترفع إلیه و تزکو عنده، و تدلّ على اشتمال الثبات، و استقرار الطویّات على أنهم للّه علینا حجّة، و إلیه لنا قادة و علیه- تبارک اسمه- أدلّة، و فی دینه القیّم شریعة و سالفة، و أنّ کلمتهم لا تبطل و حجتهم لا تدحض، و عددهم لا یختلف، و نسبهم لا ینقطع، حتى یرث اللّه- جلّ جلاله
الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْها و هو خَیْرُ الْوارِثِینَ، و یظهرهم عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ.
«قال الشیخ ابو الحسن علی بن الحسین بن موسى بن بابویه الفقیه رحمه اللّه»(7)
انّی لمّا بذلت فیما أخلدت من الکتب وسعی، و أخرجت فیما لزمنى من ذلک جهدی، وجدت الصلاة تجمع حدودا کثیرة، و الصوم یشمل امورا وافرة و الزکاة تضمّ معانی مختلفة، و الحجّ یحوی مناسک جمّة.
و وجدت حمل هذه الأشیاء الجلیلة، و ملابسة هذا الدین القیّم، و تبصرة ما ذکرت من هذه الأحوال، لا تنال إلّا بسابقة إلیه و إمام یدلّ علیه، و أنّ من هداه اللّه لذلک ارتشد سبیله و انتفع بعلمه و عمله، و من أضله أضلّ سبیله و حبط عمله، و خَسِرَ الدُّنْیا وَ الْآخِرَةَ ذلِکَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ.
و علمت أنّ الامامة حال بها یدرک حدود الصلاة، و شرائع الصوم، و معانی الزکاة، و مناسک الحجّ.
و رأیتها أجلّ عروة محکمة، و أوثق سبیل منهجة.
و رأیت کثیرا ممن صحّ عقده، و ثبتت على دین اللّه وطأته، و ظهرت فی اللّه خشیته، قد أحادته الغیبة، و طال علیه الأمد حتى دخلته الوحشة، و أفکرته(8) الأخبار المختلفة، و الآثار الواردة، فجمعت أخبارا تکشف الحیرة و تجسم النعمة(9) و تنبئ عن العدد، و تؤنس من وحشة طول الأمد.
و باللّه للصواب أرتشد، و على صالح القول أستعین، و ایّاه أسأل أن یحرس الحق و یحفظه على أهله، و یصون مستقرّه و مستودعه.
«أسباب اختلاف الروایات و موجبات الحیرة و الاشتباه» فلأجل الحاجة إلى الغیبة اتّسعت الأخبار، و لمعانی التقیّة و المدافعة عن.
الأنفس اختلفت الروایات وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى یُبَیِّنَ لَهُمْ
ما یَتَّقُونَ(10)
و لولا التقیة و الخوف، لما حار أحد، و لا اختلف اثنان، و لا خرج شیء من معالم دین اللّه- تعالى- إلّا على کلمة لا تختلف و حرف لا یشتبه.
ولکنّ اللّه- عظمت أسماؤه- عهد إلى أئمة الهدى فی حفظ الأمة، و جعلهم فی زمن مأذون لهم باذاعة العلم، و فی آخر حلماء یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما کانُوا یَکْسِبُونَ(11)
عظم هذا من أمر و جلّ! و لأمر ما وقع و حلّ!.
و غیر عجب أن یحدث فی مثله من الأوقات خبر یحمی خیط الرقبة(12)
و یحرس بفضل المداراة جمهور البیضة.
و فی مثل هذا الزمن خولف الأمر فی العدد، حتى أوقع فی الظاهر أمر ما لا خلاف فی استبطانه، و کشف عن سبب لا شک فی کتمانه.
و لیست إشارة مشهورة و اذاعة بیّنة أن یقول ولیّ من أولیاء اللّه و ثقة من خزّان أسرار اللّه أنّ صاحب هذا الأمر أثبت(13) منّی، و أخفّ رکابا.
هذا، مع الروایات المشهورة و الأحادیث الکثیرة: أنّ الوقت غیر معلوم، و الزمن غیر معروف، و لولا کتمان الوقت و المساترة به، لما استدلّ علیه بالصحیحة(14)، و الآیات و خروج رایات أهل الضلالات، و لقیل: إنّه فلان بن فلان، و إنّ یومه یوم معلوم بین الأیام، و لکنّ اللّه- جلّ اسمه- جعله أمرا منتظرا فی کل حین، و حالا مرجوّة عند کل أهل عصر،
لئلّا تقسو- بطول أجل یضربه اللّه- قلوب، و یستبطأ(15) فی استعمال سیّئة و فاحشة، و موعدة عقاب، و لیکون کل عامل على أهبّة، و یکون من وراء أعمال الخیرات أمنیّة، و من وراء أهل الخطایا و السیئات خشیة و ردعة، و لیدفع اللّه بعضا ببعض، و السنّة القدیمة على هذا
قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِی أَمْرِ السَّاعَةِ حِینَ أَنْذَرَ قَوْمَهُ: صَبَّحَتْکُمُ السَّاعَةُ، مَسَّتْکُمُ السَّاعَةُ، بُعِثْتُ أَنَا وَ السَّاعَةَ کَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ.(16)
فلولا ما أراد من المدافعة و تقریب المدّة على عامل الخیر و الشرّ و الثواب و العقاب، لعلم (صلّى اللّه علیه و آله) أنّ ما جرت إلیه الامّة الضالّة دون وقوع الساعة، و أنّ ما وعده اللّه فی أهل بیته من اظهارهم على الدین کله قبل حدوثها یکون.
و على هذا مضت الرسل، و درج الأخیار، کل یقرّب القیامة، و یدنی الساعة، و یبشّر بسرعة المجازاة على العقاب و الثواب.
و لو کان الخبر عن کل شیء بحقیقته مقدّما، و الأجل فی کل مدّة مضروبا ممهدا، لکان حقّ الرسالة و فرض البلاغة على عیسى علیه السلام أن یأمر من یعلم أنّه یبلغ زمن رسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله أن یقتصر على ما یعهده فی أیّامه، ثقة بأنّ شریعته تنسخ الشرایع، و علما بأنّه خیر النّبیّین و سید المرسلین.
و لاقترف أهل کل فترة ذنوبا عظیمة و جرایح کثیرة، و لکنّهم کانوا على اقتراب من انتظار عقاب أو ثواب و بذلک دفع اللّه الناس بعضهم ببعض.
و هذه السنّة فی الأئمة علیهم السلام مستعملة، و على أیّامهم جاریة، و فیهم قائمة.
و لو کان أمرهم مهملا عن العدد و غفلا، لما وردت الأخبار الوافرة بأخذ اللّه
میثاقهم على الأنبیاء و سالف الصالحین من الأمة.
و یدلک على ذلک قَوْلُ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَلَیْهِ السَّلَامُ حِینَ سُئِلَ عَنْ نُوحٍ عَلَیْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذُکِرَ «اسْتَوَتْ سَفِینَتُهُ عَلَى الْجُودِیِّ بِهِمْ»:
هَلْ عَرَفَ نُوحٌ عَدَدَهُمْ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَ آدَمُ عَلَیْهِ السَّلَامُ(17)
و کیف یختلف عدد، یعرفه أبو البشر و من درج من عترته و الأنبیاء من عقبه، على شرذمة من ذریّته و بقیّة یسیرة من ولده؟! و أیّ تأویل یدخل على حدیث اللوح(18)
و حدیث الصحیفة المختومة(19)؟
و الخبر الوارد عن جابر فی صحیفة فاطمة علیها السلام(20)؟
و کیف لا یعلم: أنّ الذی قال [ه] العالم علیه السلام: ستّة أیّام، أو ستّة أشهر أو ستّ سنین، غیر معلوم؟!(21)
و من غیر شک: یجوز أنّ أمرا لا یمتنع أن یجوز وقته من ستّة أیام إلى ستّة أشهر، و من ستّة أشهر إلى ستّ سنین، غیر ممتنع أن یجوز إلى سنین.
و هل هذا مفهوم؟
فان کان علیه السلام أراد تسمیة الوقت، فقد علم أنّه لم یسمّ.
و إن أراد الإغماض منه(22) فغیر عجب أن یغمضه بأشدّ ما یقدر علیه، و یستر عنه بأجهد ما یمکنه، لأنّ أمرا یخبر عنه من یوثق بعلمه بالشک بین ستّة أیام أو ستّ سنین، لا یراد به غیر المغامضة و السّتر.
و لو لا إقحام السؤال علیهم فی أوقات غیر مسهّلة للجواب، لما خرج حکم إلّا على حقیقته، و لا کلام إلّا على جهته.
فأمّا قوله علیه السلام: إنّ صاحب هذا الأمر ابن ثلاثین سنة، أو إحدى و ثلاثین سنة، أو أربعین سنة، فان جاز الأربعین فلیس بصاحب هذا الأمر.
فانّه لمعنى المدافعة عن الأنفس، و لیتیقّن(23) من لا یشکّ فی إمامة من یحدّث بهذا الحدیث من أعدائه: أنّه لیس بصاحب السیف فیلهو عنه و یشتغل عن طلبه.
و یدلّک على هذا قوله: یملک السابع من ولد الخامس، حتى یملأها عدلا کما ملئت جورا(24)
و لو کان صاحب هذا الأمر لا یجوز أن یجوز أربعین سنة، لما جاز لأحد من الأئمة علیهم السلام أن تصلح له الإمامة فوق الأربعین، لأن الإمامة شأن واحد فی القیام بالعلم و السیف، و ما کان اللّه لیجعل هذا الأمر العظیم فی رجل یختاره، ثم ینزعه عنه لمعنى السنّ.
و لو طویت ما نطقت به من هذا التأویل على هذا الخبر، لکان فیما یتأوّله من یتعلق به للردّ أقنع حجّة و أبلغ دفعا، لأنّ الذی یروی هذا الحدیث یتأوّل: أنّ امتناع القیام بعد الأربعین سنة من طریق النکیر فی العقول.
و أعوذ باللّه أن أقول: إنّهم صلوات اللّه علیهم بمنزلة سائر الناس، و إنّ عقولهم ممّا یدخلها الفساد فی الأربعین و ما فوقها.
و الأسوة برسول اللّه صلّى اللّه علیه و آله حسنة، و هو سیّد النبیّین و الأئمة الراشدین، و حین أناف على الأربعین نبیّ، و بعدها بسنین أظهر الدعوة.
فأمّا أَمْرُ مُوسَى عَلَیْهِ السَّلَامُ، وَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا یَمُوتُ حَتَّى یَمْلَأَهَا عَدْلًا کَمَا مُلِئَتْ جَوْراً،
فانّ ذلک قاله عند شدّة الطلب و قسوة القلوب، لیقرّب المدّة، و یردع الظلمة.
و الحجّة، فیمن قال بالوقف علیه، قد استقصیت بصحیح الأخبار فی باب إمامته.
و إنّما أردت بذکر هذا الحدیث ایراد قوله: «بدا للّه فیما قلت» لأنّه خرج فی أیّام فلان حین اشتدّ الطلب و الخوف، حتى وقع بعد هذا الحدیث من الغیبة و الاختفاء ما اتّصل بهذا العهد و بلغ هذه المدّة، و ما کان اللّه لیبدو له فی إمام تسمیة و لا خروجا.
و ما أفرّق- بعد قولی: إن الإمامة أحد الشرائع الخمسة- بین من یقول بالبداء فیها بالعدد و التسمیة، و بین من یقول بالبداء فی الصلاة و الصوم و سائر الشرائع الأربعة.
لأنّ مخرج الأربعة من الواحدة، و هی الإمامة، فإن جاز أن ینسخ اللّه أصل الشرائع، جاز أن ینسخ فرعها.
و أعوذ باللّه أن أقول بنسخ شریعة و تبدیل ملّة، بعد أن جعل اللّه محمّدا صلّى اللّه علیه و آله خاتم النبیّین، و شریعته خاتمة الشرائع، و واصل القیام على دینه و شریعته بقیام الساعة، و الانتقال منها إلى محشر القیامة فأمّا الوقت:
فالسنّة(25) فیه الکتمان، و الشریعة فیه الإمساک عن الإعلان.
و ممّا یدلّ على التقیّة و یرشد إلى(26) أنّ الأخبار الکثیرة وردت لعلّة ما:
قَوْلُهُ عَلَیْهِ السَّلَامُ: «بَدَا لِلَّهِ فِی إِسْمَاعِیلَ»
(27)
فکیف الحجّة الآن فی آدم علیه السلام أنّه حفظ أسماءهم؟
و ما القول فی أمر نوح أنّه علم عددهم؟(28) و کیف یثبت أنّ اللّه- عزّ و جلّ- أخذ على الامّة کلّها عهدهم، و هو ینسخ أمرهم، و یبدو له فی أسمائهم؟.
و بأیّ دلیل یدفع أمر اللوح؟
فأخبار الأظلّة، و الآثار الواردة أنّ اللّه خلقهم قبل الأمم، و ما کان اللّه لیأخذ مولى من أولیائه على قوم، ثم یبدو له فی ذلک و قد قبض إلیه منهم العدد الکثیر، إذ هو الحق أن لا یحاسب إلّا بحجّة، و لا یعذّب إلّا بحقیقة بلاغ.
و حاش للّه أن یجعل خلفاء فی عباده من ینقض أمرهم و یبدّل سنّتهم و تکون حکمته- سبحانه- بمحل یرشّح رجلا لحفظ بیضة المسلمین فیکون بمنزلة ینحّى عنها قبل انقضاء أجله و بلوغ مدّته، أو یجعله بمحل من یحدث فی عقله الفساد لبلوغه أقصى العمر و أبعد السنّ، تعالى اللّه عن ذلک علوّا کبیرا.
و الحجّة على هذا القول، مثل الحجّة على تسمیته:
فسمّى إماما، و لما هو، و أظهر القول فیه بالبداء لمثله، أو جعل البداء لمعنى معارضة فی موت أو غم أو رزق أو أجل.
و الإمامة لا تغیّر، و النسب لا ینقطع، و العدد لا یزید و لا ینقص.
فان قال قائل: إنّ الذی انتهى إلیه الوقت فی الغیبة غایة عمر أهل الدهر، و نهایة سنّ خلق هذا العصر، و انّ الآیات قبله لم تظهر، و الدلالات المذکورة بین یدیه لم تحدث؟! فهلّا یقول بالبداء فی هذه الدلالات، و یحتجّ بنسخها، ذا هو جائز عنده
أن یبدو للّه فی إمام، فانّ ذلک أولى و أحق.
و ستجده(29) أکثر من یمتنع من هذا، و یحتجّ بأنها من المحتوم! فکیف یجعل هذه الدلالات ممّا (لا)(30) یبدو للّه فیها، لانّها من المحتوم، و یقول بالبداء فی الإمامة و لا یشکّ أنّها من المحتوم؟! و کیف لا یتّخذ الحجّة فی ذلک: أن اللّه- جلّ اسمه- یعفو عن عباده فیما یتوعّدهم به من عقاب و عذاب محتوما کان ذلک منه أو موقوفا.
فلا یبدو له فی وعد خیر صغیرا کان أو کبیرا، حتى تسلم له المدّة و یقرّب اللّه علیه الوقت، و یکفیه أمر الوحشة لطول الغیبة.
و إن(31) ترک هذه العلّة فی الوقت، و قال بالعمر: أنّه لا یجوز عمر متأخر على عمر متقدم؟! فالخبر شائع أنّ عمر أبی عبد اللّه علیه السلام أوفى على عمر من تقدّمه.
و کلّما جاز أن یکون فی واحد، هو جائز أن یکون فی آخر، لا سیّما إذا لم یکن ذلک مما یفسد شریعة أو یبطل سنّة.
و عسى أن یعتصم بعد هذه الأحوال مقصّر بالتسلیم، فیقول:
إنّه واجب استعماله فی الأخبار کلّها، و یکره التفقّه، و یرفض القصد فیقول: وردت الأخبار، و لزم القبول و وجب التسلیم.
و یجعل الولیّ فی ذلک بمنزلة العدوّ، فیوجب على أولیاء اللّه استعمال خبر خرج من العلماء عن تقیّة لأعداء اللّه.
و لا یعلم أنّ المجتهد فی العمل أفضل من المتّکل على الأمانی.
و یجهل قَوْلُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنَّهُ مَا وَرَدَ عَلَیَّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لَکَ رِضًا، وَ الْآخَرُ لِی هَوًى، إِلَّا آثَرْتُ رِضَاکَ عَلَى هَوَایَ.
و هذا بعید من هذا النمط؛ و عمیق من القول فی هذا الموضع، لکنّ لطیف النظر یذهب إلیه، و دقیق الفکر یوجب أنّه إذا لزم الإیثار فی امرین کلاهما حق، لفضّل رضا اللّه على هوى ولیّ من أولیائه.
إنّ استعمال الإیثار فی خبر ورد لمکان حجّة، و استعبار واجب على خبر وقع لمعنى تقیّة و مکان مدافعة.
جعلنا اللّه ممّن یبصر رشده، و یهتدی سننه، و یجتهد فی الدین بلغته و یبذل فیه طاقته، و یخشاه حق خشیته، و یراقبه مراقبة أهل طاعته، و یرغب فی ثوابه و یخاف معاده، و ختم أعمالنا بالسعادة و الزلفى الحسنة.
و قد بیّنت الأخبار التی ذکرتها من طریق العدد، و کل ما وقع فی عصر إمام من اشارة إلى رجل، أو دعایة(32) منه بغیر حق، و استحالة مجاوزة العدد و تبدیل الأسماء، بصحیح الأخبار عن الأئمّة الهادین علیهم السلام.
متوکلا على اللّه تعالى، و مستغفرا من التقصیر، و مستعیذا به سبحانه أن أرید- بما تکلّفته- إلّا الاصلاح وَ ما تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ، وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ.
1) ما بین المعقوفین زدناه تصحیحا للعبارة، و کان موضعه بیاض فی نسخة (ب)، أما نسخة (أ) ففیها: و لم یدع الیه سبیل غامض علیه من الکلام.
2) فی (ب): و سیما مرضیة.
3) اقتباس من الآیة (42) من سورة فصّلت 41.
4) اقتباس من الآیة (71) من سورة المؤمنون 23.
5) هذا هو الظاهر و کان فی (أ): و أکل عجز لهم، و فی (ب): و أکل عجزهم و ضعفهم.
6) اقتباس من الآیة (28) من سورة الأنبیاء 21.
7) هذا السطر من راوی الکتاب کما هو ظاهر.
8) فی هامش (أ): و أنکرته.
9) هذا ظاهر (أ) و فی (ب) تجسّم الغمّة.
10) من الآیة (115) سورة التوبة 9.
11) من الآیة (14) سورة الجاثیة 45.
12) هذا هو الظاهر، و کان فی النسختین: حیط، بالحاء المهملة.
13) فی (ب): أشبّ.
14) هذا هو الظاهر، و کان فی النسختین: الصحة.
15) فیهما: یستبطئ.
16) اقتباس من البحار ج 2 ص 301 ح 3.
17) و مثله ما ورد عن منصور بن حازم أنه قال لأبی عبد اللّه (ع): أ کان رسول اللّه (ص) یعرف الأئمة (ع)؟فقال نعم، و نوح، البحار 38/ 45.
18) حدیث اللوح: حدیث طویل، مضمونه أنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاری عاد الزهراء فاطمة علیها السلام فرأى فی یدها لوحا فیه: أن البارئ أهداه إلى النبیّ صلّى اللّه علیه و آله و قد سجّل فیه أسماء الرسول و الزهراء و الأئمة الإثنی عشر من بعده. الکافی ج 1 ص 527 ح 3.رواه المؤلف بسنده، و قد نقل الصدوق نصّه الکامل بروایة أبیه فی الباب (28) من اکمال الدین: 308 ح 1، و رواه النعمانی فی الغیبة (ص 29) و المفید فی الإختصاص (ص 205).و نقل فی بحار الأنوار (ج 36) ص (195) عنهم و عن العیون 1/ 34 ح 2 و غیبة الطوسی: ص 93 و الاحتجاج: 1/ 84 و یأتی بتمامه عن هذه الکتب فی المستدرک ص 93.
19) حدیث الصحیفة المختومة: رواه المؤلف فی هذا الکتاب الباب (3) و قد ذکرنا له شواهد، فراجع الحدیث 20 و تخریجاته.
20) صحیفة فاطمة، أو مصحف فاطمة، أو کتاب فاطمة، ورد التعبیر بکل ذلک عن کتاب ینسب إلیها سلام اللّه علیها کان عند الأئمة، وردت فیه أسماء من یملک من الملوک.و قد ورد ذکره فی روایة للمؤلف فی هذا الکتاب، الباب (3) فراجع الحدیث (20) مع شواهده و تخریجاته.
21) روى الکلینی بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال فی حدیث طویل عن المهدی:قلت: یا أمیر المؤمنین، و کم تکون الحیرة و الغیبة؟قال: ستّة أیام، أو ستة أشهر، أو ست سنین … اصول الکافی (1/ 338) و اثبات الوصیة ص 260، لکن رواه الصدوق بأسانید عدیدة منها عن أبیه (المؤلف)، و لم یرد فیه هذا السؤال و الجواب، لاحظ اکمال الدین (288 ح 1).و رواه النعمانی فی الغیبة (29) عن الکلینی بسنده الى الأصبغ، إلا أنّ الجواب فیه هکذا: قال: سبت من الدهر.و قول المؤلف فیما یلی «لأن أمرا یخبر عنه … بالشک بین ستة أیام أو ست سنین» یدلّ على أن روایته للحدیث کانت محتویة على عبارة تفید الشک و التردید، و انّما وقع الخلل فی النقل عنه.هذا، و قد ورد هذا التردید فی روایة عن الإمام السجاد علیه السلام:روى الصدوق فی الإکمال قال:حدثنا محمّد بن محمّد بن عصام الکلینی رضی اللّه عنه، قال: حدثنا محمّد بن یعقوب الکلینی، قال: حدثنا القاسم بن العلاء، قال: حدثنی إسماعیل بن علی القزوینی، قال: حدثنی علی بن إسماعیل، عن عاصم بن حمید الحنّاط، عن محمّد بن قیس، عن ثابت الثمالی عن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیه السلام، أنّه قال: فینا نزلت هذه الآیة: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِی کِتابِ اللَّهِ – الاحزاب آیة/ 6.و فینا نزلت هذه الآیة: وَ جَعَلَها کَلِمَةً باقِیَةً فِی عَقِبِهِ الزخرف آیة/ 28.و الإمامة فی عقب الحسین علیه السلام إلى یوم القیامة:و إن للقائم منّا غیبتین، أحدهما أطول من الاخرى:أمّا الاولى: فستّة أیام، أو ستة أشهر، أو ست سنین.و أمّا الاخرى: فیطول أمدها، حتى یرجع عن هذا الأمر أکثر من یقول به، فلا یثبت علیه إلّا من قوى یقینه، و صحّت معرفته و لم یجد فی نفسه حرجا ممّا قضیناه، و سلّم لنا أهل البیت. اکمال الدین ص 323 ح 8.
22) فی (ب): عنه.
23) فی (أ): لیتبعنّ.
24) قال الصادق (ع) فی المهدی (ع): الخامس من ولد السابع رواه المؤلف بسنده و عنه ابنه فی اکمال الدین ص 338 ح 12.و عن الکاظم قوله: اذا فقد الخامس من ولد السابع. رواه الکلینی فی الکافی ج 1 ص 336 و النعمانی فی الغیبة ص 78 و المؤلف بسنده کما فی الإکمال ص 359 و المسعودی فی إثبات الوصیّة ص 255 نعم روى المسعودى حدیثا عن الباقر (ع) قال فیه: القائم: السابع بعدی. اثبات الوصیّة ص 259.
25) کلمة (إلى) لیست فی (أ).
26) فی (ب): فإنّ السنّة.
27) رواه الصدوق فی التوحید (ص 336) مرسلا عن الصادق (ع) قال: (ما بدا للّه بداء کما بدا فی إسماعیل ابنی) و قال بعده: و قد روی لی من طریق أبی الحسین الأسدی (رضی اللّه عنه) فی ذلک شیء غریب، ثم ذکر الحدیث و رواه عنه فی البحار (4 ص 109).
28) مرّ ذکر علم نوح علیه السلام عدد الأئمّة علیهم السلام.
29) فی (أ). ستجدها، و (ب) ستجد.
30) کلمة (لا) لم ترد فی النسختین، لکن تصحیح المطلب یقتضیها.
31) فی (أ): و إلّا.
32) کذا ظاهرا، و المراد أو إدعاء منه، و کان فی النسختین: أودعته.